الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَمَعْنَى ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ}، الْآيَةَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ}، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ، أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ- يَعْنِي بُسْتَانًا. {مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، يَعْنِي: مِنْ تَحْتِ الْجَنَّةِ {وَلَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}، وَ“ الْهَاءُ “ فِي قَوْلِهِ: (لَهُ) عَائِدَةٌ عَلَى “ أَحَدٍ“، وَ“ الْهَاءُ “ وَ“ الْأَلِفُ “ فِي: (فِيهَا) عَلَى الْجَنَّةِ، (وَأَصَابَهُ)، يَعْنِي: وَأَصَابَ أَحَدَكُمْ {الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ}. وَإِنَّمَا جَعَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْبُسْتَانَ مِنَ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ. مَثَلًا لِنَفَقَةِ الْمُنَافِقِ الَّتِي يُنْفِقُهَا رِيَاءَ النَّاسِ، لَا ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ، فَالنَّاسُ-بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنْ صَدَقَتِهِ، وَإِعْطَائِهِ لِمَا يُعْطِي وَعَمَلِهِ الظَّاهِرِ- يُثْنُونَ عَلَيْهِ وَيَحْمَدُونَهُ بِعَمَلِهِ ذَلِكَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ. فِي حُسْنِهِ كَحُسْنِ الْبُسْتَانِ وَهِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي ضَرَبَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعَمَلِهِ مَثَلًا. مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، لِأَنَّ عَمَلَهُ ذَلِكَ الَّذِي يَعْمَلُهُ فِي الظَّاهِرِ فِي الدُّنْيَا، لَهُ فِيهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ مِنْ عَاجِلِ الدُّنْيَا، يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَدَمِهِ وَمَالِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَيَكْتَسِبُ بِهِ الْمَحْمَدَةَ وَحُسْنَ الثَّنَاءِ عِنْدَ النَّاسِ، وَيَأْخُذُ بِهِ سَهْمَهُ مِنَ المَغْنَمِ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَكْثُرُ إِحْصَاؤُهَا، فَلَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا، كَمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْجَنَّةَ الَّتِي وَصَفَ مَثَلًا لِعَمَلِهِ، بِأَنَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ. ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ}، يَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ أَصَابَهُ الْكِبَرُ {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} صِغَارٌ أَطْفَالٌ. (فَأَصَابَهَا) يَعْنِي: فَأَصَابَ الْجَنَّةَ- {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ جَنَّتَهُ تِلْكَ أَحْرَقَتْهَا الرِّيحُ الَّتِي فِيهَا النَّارُ، فِي حَالِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا، وَضَرُورَتِهِ إِلَى ثَمَرَتِهَا بِكِبَرِهِ، وَضَعْفِهِ عَنْ عِمَارَتِهَا، وَفِي حَالِ صِغَرِ وَلَدِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ إِحْيَائِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا. فَبَقِيَ لَا شَيْءَ لَهُ، أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى جَنَّتِهِ وَثِمَارِهَا، بِالْآفَةِ الَّتِي أَصَابَتْهَا مِنَ الإِعْصَارِ الَّذِي فِيهِ النَّارُ. يَقُولُ: فَكَذَلِكَالْمُنْفِقُ مَالَهُ رِيَاءَ النَّاسِ، أَطْفَأَ اللَّهُ نُورَهُ، وَأَذْهَبَ بَهَاءَ عَمَلِهِ، وَأَحْبَطَ أَجْرَهُ حَتَّى لَقِيَهُ، وَعَادَ إِلَيْهِ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى عَمَلِهِ، حِينَ لَا مُسْتَعْتَبَ لَهُ، وَلَا إِقَالَةَ مِنْ ذُنُوبِهِ وَلَا تَوْبَةَ، وَاضْمَحَلَّ عَمَلُهُ كَمَا احْتَرَقَتِ الْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهَا عِنْدَ كِبَرِ صَاحِبِهَا وَطُفُولَةِ ذُرِّيَّتِهِ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا فَبَطَلَتْ مَنَافِعُهَا عَنْهُ. وَهَذَا الْمَثَلُ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ رِيَاءَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، نَظِيرَ الْمَثَلِ الْآخَرِ الَّذِي ضَرَبَهُ لَهُمْ بِقَوْلِهِ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، إِلَّا أَنَّ مَعَانِيَ قَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ تَصَارِيفُهُمْ فِيهَا عَائِدَةٌ إِلَى الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، وَأَحْسَنُهُمْ إِبَانَةً لِمَعْنَاهَا وَأَقْرَبُهُمْ إِلَى الصَّوَابِ قَوْلًا فِيهَا السُّدِّيُّ. حَدَّثَنِي مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذَرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} هَذَا مَثَلٌ آخَرُ لِنَفَقَةِ الرِّيَاءِ. إِنَّهُ يُنْفِقُ مَالَهُ يُرَائِي النَّاسَ بِهِ، فَيَذْهَبُ مَالُهُ مِنْهُ وَهُوَ يُرَائِي، فَلَا يَأْجُرُهُ اللَّهُ فِيهِ. فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَاحْتَاجَ إِلَى نَفَقَتِهِ، وَجَدَهَا قَدْ أَحْرَقَهَا الرِّيَاءُ، فَذَهَبَتْ كَمَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ عَلَى جَنَّتِهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ وَكَثُرَ عِيَالُهُ وَاحْتَاجَ إِلَى جَنَّتِهِ جَاءَتْ رِيحٌ فِيهَا سَمُومٌ فَأَحْرَقَتْ جَنَّتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مِنْهَا شَيْئًا. فَكَذَلِكَ الْمُنْفِقُ رِيَاءً. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} كَمَثَلِ الْمُفَرِّطِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّى يَمُوتَ. قَالَ: يَقُولُ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ دُنْيَا لَا يَعْمَلُ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، كَمَثَلِ هَذَا الَّذِي لَهُ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، {لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}، فَمَثَلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَثَلِ هَذَا حِينَ أُحْرِقَتْ جَنَّتُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ، لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا، وَوَلَدُهُ صِغَارٌ لَا يُغْنُونَ عَنْهَا شَيْئًا، وَكَذَلِكَ الْمُفَرِّطُ بَعْدَ الْمَوْتِ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: سَأَلَ عُمْرُ النَّاسَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَمَا وَجَدَ أَحَدًا يَشْفِيهِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ خَلْفَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَتَلَفَّتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَحَوَّلْ هَهُنَا، لِمَ تُحَقِّرُ نَفْسَكَ؟ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْمَلَ عُمْرَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَأَهْلِ السَّعَادَةِ، حَتَّى إِذَا كَانَ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَى أَنْ يَخْتِمَهُ بِخَيْرٍ حِينَ فَنِيَ عُمْرُهُ، وَاقْتَرَبَ أَجَلُهُ، خَتَمَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ، فَأَفْسَدَهُ كُلَّهُ فَحَرَّقَهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلِيمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ عُمْرَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}، قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْإِنْسَانِ: يَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَهُ آخِرَ عُمْرِهِ أَحْوَجَ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ، عَمِلَ عَمَلَ السُّوءِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا سُوِيدٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَأَلَ عُمْرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: فِيمَ تَرَوْنَ أُنْـزِلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}؟ فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمْرُ فَقَالَ: قُولُوا: “نَعْلَمُ “ أَوْ “ لَا نَعْلَمُ“. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ عُمْرُ: قُلْ يَا ابْنَ أَخِي، وَلَا تُحَقِّرْ نَفْسَكَ! قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ. قَالَ عُمْرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ: لِعَمَلٍ. فَقَالَ عُمْرُ: رَجُلٌ غَنِيٌّ يَعْمَلُ الْحَسَنَاتِ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ كُلَّهَ قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ نَحْوَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعَهُ مِنْهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِّيَ حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَا جَمِيعًا: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ عُمْرُ: لِلرَّجُلِ يَعْمَلُ بِالْحَسَنَاتِ، ثُمَّ يُبْعَثُ لَهُ الشَّيْطَانُ فَيَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْهَا ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَا ضُرِبَتْ مَثَلًا لِلْأَعْمَالِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِلْعَمَلِ، يُبْدَأُ فَيَعْمَلُ عَمَلًا صَالِحًا، فَيَكُونُ مَثَلًا لِلْجَنَّةِ الَّتِي مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ- ثُمَّ يُسِيءُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَيَتَمَادَى عَلَى الْإِسَاءَةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ الْإِعْصَارُ الَّذِي فِيهِ النَّارُ الَّتِي أَحْرَقَتِ الْجَنَّةَ، مَثَلًا لِإِسَاءَتِهِ الَّتِي مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجَنَّةُ عَيْشُهُ وَعَيْشُ وَلَدِهِ فَاحْتَرَقَتْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ جَنَّتِهِ مِنْ أَجْلِ كِبَرِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذُرِّيَّتُهُ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ جَنَّتِهِمْ مِنْ أَجْلِ صِغَرِهِمْ حَتَّى احْتَرَقَتْ. يَقُولُ: هَذَا مَثَلُهُ، تَلْقَاهُ وَهُوَ أَفْقَرُ مَا كَانَ إِلَيَّ، فَلَا يَجِدُ لَهُ عِنْدِي شَيْئًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ مِنْ كِبَرِهِ وَصِغَرِ أَوْلَادِهِ أَنْ يَعْمَلُوا جَنَّةً، كَذَلِكَ لَا تَوْبَةَ إِذَا انْقَطَعَ الْعَمَلُ حِينَ مَاتَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ مَثَلُ الْمُفَرِّطِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّى يَمُوتَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ دُنْيَا لَا يَعْمَلُ فِيهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، كَمَثَلِ هَذَا الَّذِي لَهُ جَنَّةٌ؟ فَمَثَلُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَثَلِ هَذَا حِينَ أُحْرِقَتْ جَنَّتُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا، وَأَوْلَادُهُ صِغَارٌ وَلَا يُغْنُونَ عَنْهُ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ الْمُفَرِّطُ بَعْدَ الْمَوْتِ، كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ حَسْرَةٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الْآيَةَ، يَقُولُ: أَصَابَهَا رِيحٌ فِيهَا سَمُومٌ شَدِيدَةٌ “ {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}،: فَهَذَا مَثَلٌ، فَاعْقِلُوا عَنِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ أَمْثَالَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ: 43]، هَذَا رَجُلٌ كَبُرَتْ سِنُّهُ، وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَكَثُرَ عِيَالُهُ، ثُمَّ احْتَرَقَتْ جَنَّتُهُ عَلَى بَقِيَّةِ ذَلِكَ، كَأَحْوَجِ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ، يَقُولُ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَضِلَّ عَنْهُ عَمَلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَحْوَجِ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ؟ حَدَّثْنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاحْتَرَقَتْ} يَقُولُ: فَذَهَبَتْ جَنَّتُهُ كَأَحْوَجِ مَا كَانَ إِلَيْهَا حِينَ كَبُرَتْ سِنُّهُ وَضَعُفَ عَنِ الْكَسْبِ “ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ “ لَا يَنْفَعُونَهُ. قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: “فَاحْتَرَقَتْ “ فَذَهَبَتْ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَذْهَبَ عَمَلُهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ؟ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا حَسَنًا، وَكُلُّ أَمْثَالِهِ حَسَنٌ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَقَالَ قَالَ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ} إِلَى قَوْلِهِ: {فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} يَقُولُ: صَنَعَهُ فِي شَبِيبَتِهِ، فَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءٌ عِنْدَ آخَرِ عُمْرِهِ، فَجَاءَهُ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَ بُسْتَانُهُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قُوَّةٌ أَنْ يَغْرِسَ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ نَسْلِهِ خَيْرٌ يَعُودُونَ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا رُدَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ خَيْرٌ فَيُسْتَعْتَبُ، كَمَا لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ فَيَغْرِسُ مِثْلَ بُسْتَانِهِ، وَلَا يَجِدُ خَيْرًا قَدَّمَ لِنَفْسِهِ يَعُودُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ يُغْنِ عَنْ هَذَا وَلَدُهُ، وَحُرِمَ أَجْرَهُ عِنْدَ أَفْقَرِ مَا كَانَ إِلَيْهِ، كَمَا حُرِمَ هَذَا جَنَّتَهُ عِنْدَ أَفْقَرِ مَا كَانَ إِلَيْهَا عِنْدَ كِبَرِهِ وَضْعْفِ ذُرِّيَّتِهِ. وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فِيمَا أُوتِيَا فِي الدُّنْيَا: كَيْفَ نَجَّى الْمُؤْمِنَ فِي الْآخِرَةِ، وَذَخَرَ لَهُ مِنَ الكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ، وَخَزَنَ عَنْهُ الْمَالَ فِي الدُّنْيَا، وَبَسَطَ لِلْكَافِرِ فِي الدُّنْيَا مِنَ المَالِ مَا هُوَ مُنْقَطِعٌ، وَخَزَنَ لَهُ مِنَ الشَّرِّ مَا لَيْسَ بِمُفَارِقِهِ أَبَدًا، وَيَخْلُدُ فِيهَا مُهَانًا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ [فَخَرَ عَلَى صَاحِبِهِ] وَوَثِقَ بِمَا عِنْدَهُ، وَلَمْ يَسْتَيْقِنْ أَنَّهُ مُلَاقٍ رَبَّهُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}، الْآيَةَ، قَالَ: [هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ ]: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ [لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ]، وَالرَّجُلُ [قَدْ كَبُرَ سِنُّهُ وَضَعُفَ]، وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ [وَابْتَلَاهُمُ اللَّهُ ] فِي جَنَّتِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا إِعْصَارًا فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ جَنَّتِهِ مِنَ الكِبَرِ، وَلَا وَلَدُهُ لِصِغَرِهِمْ، فَذَهَبَتْ جَنَّتُهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا. يَقُولُ: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعِيشَ فِي الضَّلَالَةِ وَالْمَعَاصِي حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، فَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدْ ضَلَّ عَنْهُ عَمَلُهُ أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهِ؟ فَيَقُولُ: ابْنَ آدَمَ، أَتَيْتَنِي أَحْوَجَ مَا كُنْتَ قَطُّ إِلَى خَيْرٍ، فَأَيْنَ مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، ثُمَّ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا فَقَالَ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ}، حَتَّى بَلَغَ “ {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}. قَالَ: جَرَتْ أَنْهَارُهَا وَثِمَارُهَا، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءٌ، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ. أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ هَذَا؟ كَمَا يَتَجَمَّلُ أَحَدُكُمْ إِذْ يَخْرُجُ مِنْ صَدَقَتِهِ وَنَفَقَتِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ لَهُ عِنْدِي جَنَّةٌ وَجَرَتْ أَنْهَارُهَا وَثِمَارُهَا، وَكَانَتْ لِوَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ أَصَابَهَا رِيحُ إِعْصَارٍ فَحَرَقَهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ فِي قَوْلِهِ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، رَجُلٌ غَرَسَ بُسْتَانًا فِيهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ، فَأَصَابَهُ الْكِبَرُ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءٌ، فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ بُسْتَانِهِ مِنْ كِبَرِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذُرِّيَّتُهُ أَنْ يَدْفَعُوا عَنْ بُسْتَانِهِ، فَذَهَبَتْ مَعِيشَتُهُ وَمَعِيشَةُ ذُرِّيَّتِهِ. فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ، يَقُولُ: يَلْقَانِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى خَيْرٍ يُصِيبُهُ، فَلَا يَجِدُ لَهُ عِنْدِي خَيْرًا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا دَلَّلْنَا أَنَّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَقَدَّمَ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمَنِّ وَالْأَذَى فِي صَدَقَاتِهِمْ، ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِمَنْ مَنَّ وَآذَى مَنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ، فَمَثَّلَهُ بِالْمُرَائِي مِنَ المُنَافِقِينَ الْمُنْفِقِينَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ. وَكَانَتْ قِصَّةَ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنَ المَثَلِ، نَظِيرَةَ مَا ضَرَبَ لَهُمْ مِنَ المَثَلِ قَبْلَهَا، فَكَانَ إِلْحَاقُهَا بِنَظِيرَتِهَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِ تَأْوِيلِهَا عَلَى أَنَّهُ مَثَلُ مَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ قَبْلَهَا وَلَا مَعَهَا. فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: “وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ“، وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، فَعَطَفَ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: “أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ“؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: “أَيَوَدُّ“، يَصِحُّ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ “ لَوْ “ مَكَانَ “ أَنْ “ فَلَمَّا صَلَحَتْ بِـ “ لَوْ “ وَ“ أَنْ “ وَمَعْنَاهُمَا جَمِيعًا الِاسْتِقْبَالُ، اسْتَجَازَتْ الْعَرَبُ أَنْ يَرُدُّوا “ فَعَلَ “ بِتَأْوِيلِ “ لَوْ “ عَلَى “ يَفْعَلُ “ مَعَ “ أَنْ “ فَلِذَلِكَ قَالَ: “فَأَصَابَهَا“، وَهُوَ فِي مَذْهَبِهِ بِمَنْـزِلَةِ “ لَوْ“، إِذْ ضَارَعَتْ “ أَنْ “ فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ، فَوُضِعَتْ فِي مَوَاضِعِهَا، وَأُجِيبَتْ “ أَنْ “ بِجَوَابِ “ لَوْ “ وَ“ لَوْ “ بِجَوَابِ “ أَنْ“، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ لَوْ كَانَتْ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ؟. فَإِنْ قَالَ: وَكَيْفَ قِيلَ هَهُنَا: “وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءٌ“، وَقَالَ فِي [النِّسَاءِ: 9]، {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا}؟ قِيلَ: لِأَنَّ “ فُعِّيَّلًا “ يُجْمَعُ عَلَى “ فُعَلَاءَ “ وَ“ فِعَالٍ“، فَيُقَالُ: “رَجُلٌ ظَرِيفٌ مِنْ قَوْمٍ ظُرَفَاءَ وَظِرَافٍ. وَأَمَّا “ الْإِعْصَارُ“، فَإِنَّهُ الرِّيحُ الْعَاصِفُ، تَهُبُّ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا عَمُودٌ، تُجْمَعُ “ أَعَاصِيرَ“، وَمِنْهُ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ مُفَرَّغٍ الْحِمْيَرِيِّ: أُنَـاسٌ أَجَارُونَـا فَكَـانَ جِـوارُهُمْ أَعَـاصِيرَ مِـنْ فَسْـوِ العِـرَاقِ الْمُبَذَّرِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: رِيحٌ فِيهَا سُمُومٌ شَدِيدَةٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السِّمَتِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ}، رِيحٌ فِيهَا سُمُومٌ شَدِيدَةٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ}، قَالَ: السَّمُومُ الْحَارَّةُ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا الْجَانُّ، الَّتِي تُحْرِقُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}، قَالَ: هِيَ السَّمُومُ الْحَارَّةُ الَّتِي لَا تُبْقِي أَحَدًا. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحِمَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ التَّمِيمِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} الَّتِي تَقْتُلُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ السَّمُومَ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا الْجَانُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النَّارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}، هِيَ رِيحٌ فِيهَا سَمُومٌ شَدِيدٌ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ}، قَالَ: سَمُومٌ شَدِيدٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ}، يَقُولُ: أَصَابَهَا رِيحٌ فِيهَا سَمُومٌ شَدِيدَةٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} أَمَّا الْإِعْصَارُ فَالرِّيحُ، وَأَمَّا النَّارُ فَالسَّمُومُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ}، يَقُولُ: رِيحٌ فِيهَا سَمُومٌ شَدِيدٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ رِيحٌ فِيهَا بَرْدٌ شَدِيدٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}، فِيهَا صِرٌّ وَبَرْدٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَاكِ: {إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}، يَعْنِي بِالْإِعْصَارِ: رِيحٌ فِيهَا بَرْدٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [266] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كَمَا بَيَّنَ لَكُمْ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمْرَ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِهِ، وَكَيْفَ وَجْهُهَا، وَمَا لَكُمْ وَمَا لَيْسَ لَكُمْ فِعْلُهُ فِيهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ لَكُمُ الْآيَاتِ سِوَى ذَلِكَ، فَيُعَرِّفُكُمْ أَحْكَامَهَا وَحَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَيُوَضِّحُ لَكُمْ حُجَجَهَا، إِنْعَامًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَيْكُمْ “ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ“، يَقُولُ: لِتَتَفَكَّرُوا بِعُقُولِكُمْ، فَتَتَدَبَّرُوا وَتَعْتَبِرُوا بِحُجَجِ اللَّهِ فِيهَا، وَتَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامِهَا، فَتُطِيعُوا اللَّهَ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: {لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} قَالَ: تُطِيعُونَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} يَعْنِي فِي زَوَالِ الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا، وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا“، صَدَّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَآيِ كِتَابِهِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: “أَنْفِقُوا“، زَكُّوا وَتَصَدَّقُوا، كَمَا:- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} يَقُولُ: تَصَدَّقُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}. يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: زَكُّوا مِنْ طَيِّبِ مَا كَسَبْتُمْ بِتَصَرُّفِكُمْ إِمَّا بِتِجَارَةٍ، وَإِمَّا بِصِنَاعَةٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَيَعْنِي بِـ “ الطَّيِّبَاتِ“، الْجِيَادَ، يَقُولُ: زَكُّوا أَمْوَالَكُمُ الَّتِي اكْتَسَبْتُمُوهَا حَلَالًا وَأَعْطُوا فِي زَكَاتِكُمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، الْجِيَادَ مِنْهَا دُونَ الرَّدِيءِ، كَمَا:- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ بَكْرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلُهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}، قَالَ: التِّجَارَةُ الْحَلَالُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}، قَالَ: لَيْسَ فِي مَالِ الْمُؤْمِنِ مِنْ خَبِيثٍ، وَلَكِنْ لَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ. حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ: “يَا {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قَالَ: مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}، قَالَ: التِّجَارَةُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} يَقُولُ: مِنْ أَطْيَبِ أَمْوَالِكُمْ وأنفَسِهِ. حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}، قَالَ: مِنْ هَذَا الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَأَنْفِقُوا أَيْضًا مِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ، فَتَصَدَّقُوا وَزَكُّوا مِنَ النَّخْلِ وَالْكَرْمِوَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَمَا أَوْجَبْتُ فِيهِ الصَّدَقَةَ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ. كَمَا:- حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ الْهُذَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، قَالَ: يَعْنِي مِنَ الحَبِّ وَالثَّمَرِ وَكُلِّ شَيْءٍ عَلَيْهِ زَكَاةٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، قَالَ: النَّخْلُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، قَالَ: مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ“، قَالَ: مِنَ التِّجَارَةِ “ {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، مِنَ الثِّمَارِ. حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، قَالَ: هَذَا فِي التَّمْرِ وَالْحَبِّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ “ {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ}، وَلَا تَعْمِدُوا، وَلَا تَقْصِدُوا. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (وَلَا تَؤُمُّوا) مِنْ “ أَمَمْتُ“، وَهَذِهِ مِنْ “ يَمَّمْتُ“، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ. يُقَالُ: “تَأَمَّمْتُ فُلَانًا“، وَ“ تَيَمَّمْتُهُ“، وَ“ أَمَمْتُهُ“، بِمَعْنَى: قَصَدْتُهُ وَتَعَمَّدْتُهُ، كَمَا قَالَ مَيْمُونُ بْنُ قَيْسِ الْأَعْشَى: تَيَمَّمْـتُ قَيْسًـا وَكَـمْ دُونَـهُ *** مِـنَ الْأَرْضِ مِـنْ مَهْمَـهٍ ذِي شَـزَنْ وَكَمَا:- حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ}، وَلَا تَعْمِدُوا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: “وَلَا تَيَمَّمُوا “ لَا تَعْمِدُوا. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِـ “ الْخَبِيثَ“: الرَّدِيءَ، غَيْرَ الْجَيِّدِ، يَقُولُ: لَا تَعْمِدُوا الرَّدِيءَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ فِي صَدَقَاتِكُمْ فَتَصَدَّقُوا مِنْهُ، وَلَكِنْتَصَدَّقُوا مِنَ الطِّيِّبِ الْجَيِّدِ. وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ فِي سَبَبِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَّقَ قِنْوًا مِنْ حَشَفٍ- فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعَلِّقُونَ صَدَقَةَ ثِمَارِهِمْ- صَدَقَةً مِنْ تَمْرِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيّ، عَنْ عُدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفَقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}، قَالَ: نَـزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، كَانَتِ الْأَنْصَارُ إِذَا كَانَ أَيَّامُ جِذَاذِ النَّخْلِ أَخْرَجَتْ مِنْ حِيطَانِهَا أَقْنَاءَ الْبُسْرِ، فَعَلَّقُوهُ عَلَى حَبْلٍ بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْكُلُ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُ. فَيَعْمِدُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِلَى الْحَشَفِ فَيُدْخِلُهُ مَعَ أَقْنَاءِ الْبُسْرِ، يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ. فَأَنْـزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، قَالَ لَا تَيَمَّمُوا الْحَشَفَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ. حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ عُدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَكَانَ يَعْمِدُ بَعْضُهُمْ، فَيُدْخِلُ قِنْوَ الْحَشَفِ وَيَظُنُّ أَنَّهُ جَائِزٌ عَنْهُ فِي كَثْرَةِ مَا يُوضَعُ مِنَ الْأَقْنَاءِ، فَنَـزَلَ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ: “وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ“، الْقِنْوُ الَّذِي قَدْ حَشَفَ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيْكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: كَانُوا يَجِيئُونَ فِي الصَّدَقَةِ بِأَرْدَإِ تَمْرِهِمْ وَأَرْدَإِ طَعَامِهِمْ، فَنَـزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} الْآيَةَ. حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، قَالَ: فَقَالَ عَلِيٌّ: نَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَعْمِدُ إِلَى التَّمْرِ فَيَصْرِمُهُ، فَيَعْزِلُ الْجَيِّدَ نَاحِيَةً. فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ أَعْطَاهُ مِنَ الرَّدِيءِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ الْيَحْصُبِيُّ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قَالَ: هُوَ الْجُعْرُورُ، وَلَوْنُ حَبِيقَ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، قَالَ: كَانُوا يَتَصَدَّقُونَ- يَعْنِي مِنَ النَّخْلِ- بِحَشَفِهِ وَشِرَارِهِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَأُمِرُوا أَنْ يَتَصَدَّقُوا بِطَيِّبِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَكُونُ لَهُ الْحَائِطَانِ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَعْمِدُ إِلَى أَرْدَئِهِمَا تَمْرًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، وَيَخْلِطُ فِيهِ مِنَ الحَشَفِ، فَعَابَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُعَمِّرٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، قَالَ: تَعْمِدُ إِلَى رَذَالَةِ مَالِكٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ، وَلَسْتَ بِآخِذِهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضَ فِيهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّقُ بِرَذَالَةِ مَالِهِ، فَنَـزَلَتْ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، قَالَ: فِي الْأَقْنَاءِ الَّتِي تُعَلَّقُ، فَرَأَى فِيهَا حَشَفًا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ: (عَلَّقَ إِنْسَانٌ حَشَفًا فِي الْأَقْنَاءِ الَّتِي تُعَلَّقُ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا هَذَا؟ بِئْسَمَا عَلَّقَ هَذَا!! فَنَـزَلَتْ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنَ الحَرَامِ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَتَدَعُوا أَنْ تُنْفِقُوا الْحَلَالَ الطَّيِّب.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ- وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}،- قَالَ: الْخَبِيثُ: الْحَرَامُ، لَا تَتَيَمَّمْهُ تُنْفِقُ مِنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَقْبَلُهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَمَّنْ حَكَيْنَا [عَنْهُ] مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [لِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ]، وَاتِّفَاقِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ دُونَ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْخَبِيثِ فِي حُقُوقِكُمْ، وَ“ الْهَاءُ “ فِي قَوْلِهِ: “بِآخِذِيهِ “ مِنْ ذِكْرِ الْخَبِيثِ “ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ“، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ تَتَجَافَوْا فِي أَخْذِكُمْ إِيَّاهُ عَنْ بَعْضِ الْوَاجِبِ لَكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ، فَتُرَخِّصُوا فِيهِ لِأَنْفُسِكُمْ. يُقَالُ مِنْهُ: “أَغْمَضَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ، فَهُوَ يُغْمِضُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الطِّرِمَّاحِ بْنِ حَكِيمٍ: لَـمْ يَفُتْنَـا بِـالْوِتْرِ قَـوْمٌ وَلِلضَّـيْـ *** ـمِ رِجَـالٌ يَرْضَـوْنَ بِالْإِغْمَـاضِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الرَّدِيءِ مِنْ غُرَمَائِكُمْ فِي وَاجِبِ حُقُوقِكُمْ قِبَلَهُمْ، إِلَّا عَنْ إِغْمَاضٍ مِنْكُمْ لَهُمْ فِي الْوَاجِبِ لَكُمْ عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَلِيًّا عَنْهُ فَقَالَ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، يَقُولُ: وَلَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ هَذَا الرَّدِيءَ حَتَّى يَهْضِمَ لَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ، فَأَعْطَاهُ ذَلِكَ لَمْ يَأْخُذْهُ، إِلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ مِنْ حَقِّهِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ حَقٌّ، فَجَاءَكُمْ بِحَقٍّ دُونَ حَقِّكُمْ، لَمْ تَأْخُذُوا بِحِسَابِ الْجَيِّدِ حَتَّى تُنْقِصُوهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، فَكَيْفَ تَرْضَوْنَ لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَحَقِّي عَلَيْكُمْ مِنْ أَطْيَبِ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفَسِهَا؟. وَهُوَ قَوْلُهُ: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ). [سُورَةُ آلَ عِمْرَانَ: 92]. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} قَالَ: لَا تَأْخُذُونَهُ مِنْ غُرَمَائِكُمْ وَلَا فِي بُيُوعِكُمْ إِلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الطَّيِّبِ فِي الْكَيْلِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، وَذَلِكَ أَنَّ رِجَالًا كَانُوا يُعْطُونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ مِنَ التَّمْرِ، فَكَانُوا يُعْطُونَ الْحَشَفَ فِي الزَّكَاةِ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَطْلُبُ بَعْضًا ثُمَّ قَضَاهُ، لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا أَنْ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَغْمَضَ عَنْهُ حَقَّهُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلُهُ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} يَقُولُ: لَوْ كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ دِينٌ فَقَضَاكَ أَرْدَأَ مِمَّا كَانَ لَكَ عَلَيْهِ، هَلْ كُنْتَ تَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا وَأَنْتَ لَهُ كَارِهٌ؟ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَاكِ فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} قَالَ: كَانُوا-حِينَ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُؤَدُّوا الزَّكَاةَ- يَجِيءُ الرَّجُلُ مِنَ المُنَافِقِينَ بِأَرْدَإِ طَعَامٍ لَهُ مِنْ تَمْرٍ وَغَيْرِهِ، فَكَرِهَ اللَّهُ ذَلِكَ وَقَالَ: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، يَقُولُ: {لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْكُمْ لَهُ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَيُعْطِيهِ دُونَ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهُ، إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ نَقَصَهُ فَلَا تَرْضَوْا لِي مَا لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ فَيَأْخُذُ شَيْئًا، وَهُوَ مُغْمِضٌ عَلَيْهِ، أَنْقَصَ مِنْ حَقِّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيءِ الْخَبِيثِ- إِذَا اشْتَرَيْتُمُوهُ مِنْ أَهْلِهِ-بِسِعْرِ الْجَيِّدِ، إِلَّا بِإِغْمَاضٍ مِنْهُمْ لَكُمْ فِي ثَمَنِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، قَالَ: لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي السُّوقِ يُبَاعُ، مَا أَخَذْتُمُوهُ حَتَّى يُهْضَمَ لَكُمْ مِنْ ثَمَنِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، يَقُولُ: لَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيءِ بِسِعْرِ هَذَا الطِّيِّبِ إِلَّا أَنْ يُغْمَضَ لَكُمْ فِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيءِ الْخَبِيثِ لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ، إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ، فَتَأْخُذُوهُ وَأَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ، عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْكُمْ مِمَّنْ أَهْدَاهُ لَكُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عُدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، قَالَ: لَوْ أُهْدِيَ لَكُمْ مَا قَبِلْتُمُوهُ إِلَّا عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ صَاحِبِهِ، أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْكَ بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَاجَةٌ. حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ، قَالَ: زَعَمَ السُّدِّيُّ، عَنْ عُدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِلَّا عَلَى اسْتِحْيَاءٍ مِنْ صَاحِبِهِ، وَغَيْظًا أَنَّهُ بَعَثَ إِلَيْكَ بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ حَاجَةٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي هَذَا الرَّدِيءِ مِنْ حَقِّكُمْ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا مِنْ حَقِّكُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ مَعْقِلٍ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ}، يَقُولُ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ مِنْ حَقٍّ هُوَ لَكُمْ “ {إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، يَقُولُ: أُغْمِضُ لَكَ مِنْ حَقِّي. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الْحَرَامَ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ عَلَيْكُمْ فِي أَخْذِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}-قَالَ: يَقُولُ: لَسْتَ آخِذًا ذَلِكَ الْحَرَامَ حَتَّى تُغْمِضَ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ قَالَ: وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذَهُ، وَلَقَدْ أَغْمَضَ عَلَى مَا فِيهِ “ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَرَامٌ بَاطِلٌ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَثَّ عِبَادَهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَفَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِيهَا، فَصَارَ مَا فَرَضَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْوَالِهِمْ، حَقًّا لَأَهِلِ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ الطَّيِّبِ- وَهُوَ الْجَيِّدُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ- الطَّيِّبَ. وَذَلِكَ أَنْ أَهْلَ السُّهْمَانِ شُرَكَاءُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي أَمْوَالِهِمْ، بِمَا وَجَبَ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الصَّدَقَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا. فَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَرِيكَيْنِ فِي مَالٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا مَنْعُ شَرِيكِهِ مِنْ حَقِّهِ مِنَ المِلْكِ الَّذِي هُوَ فِيهِ شَرِيكُهُ، بِإِعْطَائِهِ-بِمِقْدَارِ حَقِّهِ مِنْهُ- مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَرْدَأُ مِنْهُ أَوْ أَخَسُّ. فَكَذَلِكَ الْمُزَكِّي مَالَهُ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ أَهْلَ السُّهْمَانِ مِمَّا وَجَبَ لَهُمْ فِي مَالِهِ مِنَ الطَّيِّبِ الْجَيِّدِ مِنَ الحَقِّ، فَصَارُوا فِيهِ شُرَكَاءَ مِنَ الخَبِيثِ الرَّدِيءِ غَيْرَهُ، وَيَمْنَعُهُمْ مَا هُوَ لَهُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ فِي الطَّيِّبِ مِنْ مَالِهِ الْجَيِّدِ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ رَبِّ الْمَالِ رَدِيئًا كُلُّهُ غَيْرَ جَيِّدٍ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَارَ أَهْلُ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ فِيهِ شُرَكَاءَ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمْ فِيهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُمُ الطَّيِّبَ الْجَيِّدَ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ الَّذِي مِنْهُ حَقُّهُمْ. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ: زَكُّوا مِنْ جَيِّدِ أَمْوَالِكُمُ الْجَيِّدَ، وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ الرَّدِيءَ، تُعْطُونَهُ أَهْلَ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ، وَتَمْنَعُونَهُمُ الْوَاجِبَ لَهُمْ مِنَ الجَيِّدِ الطَّيِّبِ فِي أَمْوَالِكُمْ، وَلَسْتُمْ بِآخِذِي الرَّدِيءَ لِأَنْفُسِكُمْ مَكَانَ الْجَيِّدِ الْوَاجِبِ لَكُمْ قِبَلَ مَنْ وَجَبَ لَكُمْ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ شُرَكَائِكُمْ وَغُرَمَائِكُمْ وَغَيْرِهِمْ، إِلَّا عَنْ إِغْمَاضٍ مِنْكُمْ وَهَضْمٍ لَهُمْ وَكَرَاهَةٍ مِنْكُمْ لِأَخْذِهِ. يَقُولُ: وَلَا تَأْتُوا مِنَ الفِعْلِ إِلَى مَنْ وَجَبَ لَهُ فِي أَمْوَالِكُمْ حَقٌّ، مَا لَا تَرْضَوْنَ مِنْ غَيْرِكُمْ أَنْ يَأْتِيَهُ إِلَيْكُمْ فِي حُقُوقِكُمُ الْوَاجِبَةِ لَكُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ. فَأَمَّا إِذَا تَطَوَّعَ الرَّجُلُ بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مَفْرُوضَةٍ، فَإِنِّي وَإِنْ كَرِهْتُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ فِيهَا إِلَّا أَجْوَدَ مَالِهِ وَأَطْيَبَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحَقُّ مَنْ تُقُرِّبَ إِلَيْهِ بِأَكْرَمِ الْأَمْوَالِ وَأَطْيَبِهَا، وَالصَّدَقَةُ قُرْبَانُ الْمُؤْمِنِ فَلَسْتُ أُحَرِّمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ فِيهَا غَيْرَ الْجَيِّدِ، لِأَنَّ مَا دُونُ الْجَيِّدِ رُبَّمَا كَانَ أَعَمَّ نَفْعًا لِكَثْرَتِهِ، أَوْ لِعَظَمِ خَطَرِهِ وَأَحْسَنَ مَوْقِعًا مِنَ المِسْكِينِ، وَمِمَّنْ أُعْطِيَهُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الجَيِّدِ، لِقِلَّتِهِ أَوْ لِصِغَرِ خَطَرِهِ وَقِلَّةِ جَدْوَى نَفْعِهِ عَلَى مَنْ أُعْطِيَهُ. وَبِمِثْلِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زَرِيعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، قَالَ: ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، الدِّرْهَمُ الزَّائِفُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّمْرَةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ، وَالدِّرْهَمِ الزَّائِفِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّمْرَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ}، فَقَالَ عُبَيْدَةُ: إِنَّمَا هَذَا فِي الْوَاجِبِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ بِالتَّمْرَةِ، وَالدِّرْهَمُ الزَّائِفُ خَيْرٌ مِنَ التَّمْرَةِ. حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قَالَ: إِنَّمَا هَذَا فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِالدِّرْهَمِ الزَّائِفِ، وَالدِّرْهَمُ الزَّائِفُ خَيْرٌ مِنَ التَّمْرَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [267] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ غَنِيٌّ عَنْ صَدَقَاتِكُمْ وَعَنْ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا أَمَرَكُمْ بِهَا، وَفَرَضَهَا فِي أَمْوَالِكُمْ، رَحْمَةً مِنْهُ لَكُمْ لِيُغْنِيَ بِهَا عَائِلَكُمْ، وَيُقَوِّيَ بِهَا ضَعِيفَكُمْ، وَيُجْزِلَ لَكُمْ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ مَثُوبَتَكُمْ، لَا مِنْ حَاجَةٍ بِهِ فِيهَا إِلَيْكُمْ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: “حَمِيدٌ“، أَنَّهُ مَحْمُودٌ عِنْدَ خَلْقِهِ بِمَا أَوْلَاهُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَبَسَطَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. كَمَا:- حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَسْبَاطَ، عَنِ السُّدِّيّ، عَنْ عُدَيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ {وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} عَنْ صَدَقَاتِكُمْ.
|